كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وليس لغيره أن يقول هذا القول، مع أن ذلك خاص به على ما قاله بعض علمائنا.
والله أعلم.
الثالثة لم يختلف العلماء أن قوله: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ} ليس على عمومه.
وأنه يدخله الخصوص؛ فما خصّصوه بإجماع أن قالوا: سَلَبُ المقتول لقاتله إذا نادى به الإمام.
وكذلك الرقاب؛ أعني الأسارى، الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف، على ما يأتي بيانه.
ومما خصّ به أيضًا الأرض.
والمعنى: ما غنمتم من ذهب وفضة وسائر الأمتعة والسْبّي.
وأما الأرض فغير داخلة في عموم هذه الآية؛ لما روى أبو داود عن عمر بن الخطاب أنه قال: لولا آخر الناس ما فتحتُ قريةً إلا قَسمتها كما قسَم رسول الله صلى الله عليه وسلم خَيْبر.
ومما يصحح هذا المذهب ما رواه الصحيح عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنَعَتِ العراقُ قفيزها ودرهمها ومَنعت الشام مُدّها ودينارها» الحديث.
قال الطحاويّ: «منعت» بمعنى ستمنع؛ فدلّ ذلك على أنها لا تكون للغانمين؛ لأن ما ملكه الغانمون لا يكون فيه قفيز ولا درهم، ولو كانت الأرض تقسم ما بقي لمن جاء بعد الغانمين شيء.
والله تعالى يقول: {والذين جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] بالعطف على قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرينَ}.
قال: وإنما يقسم ما ينقل من موضع إلى موضع.
وقال الشافعيّ: كل ما حصل من الغنائم من أهل دار الحرب من شيء قل أو كَثُر من دار أو أرض أو متاع أو غير ذلك قسم؛ إلا الرجالَ البالغين فإن الإمام فيهم مخيَّر أن يَمُنّ أو يقتل أو يَسْبِي.
وسبيل ما أخذ منهم وسُبي سبيلُ الغنيمة.
واحتج بعموم الآية.
قال: والأرض مغنومة لا محالة؛ فوجب أن تقسم كسائر الغنائم.
وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما افتتح عَنوة من خَيْبر.
قالوا: ولو جاز أن يدّعي الخصوص في الأرض جاز أن يدّعي في غير الأرض فيبطل حكم الآية.
وأما آية الحشر فلا حجة فيها؛ لأن ذلك إنما هو في الفيء لا في الغنيمة.
وقوله: {والذين جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ} استئناف كلام بالدعاء لمن سبقهم بالإيمان لا لغير ذلك.
قالوا: وليس يخلو فعل عمر في توقيفه الأرض من أحد وجهين: إما أن تكون غنيمة استطاب أنفسَ أهلها؛ وطابت بذلك فوقفها.
وكذلك روى جَرير أن عمر استطاب أنفسَ أهلها.
وكذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبي هَوازِنَ، لما أتَوْه استطاب أنفس أصحابه عما كان في أيديهم.
وإما أن يكون ما وقفه عمر فَيْئًا فلم يحتج إلى مُراضاة أحد.
وذهب الكوفيون إلى تخيير الإمام في قسمها أو إقرارها وتوظيف الخراج عليها.
وتصير ملكًا لهم كأرض الصلح: قال شيخنا أبو العباس رضي الله عنه: وكأن هذا جمع بين الدليلين ووسط بين المذهبين، وهو الذي فهمه عمر رضي الله عنه قطعًا؛ ولذلك قال: لولا آخر الناس؛ فلم يخبر بنسخ فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا بتخصيصه بهم، غير أن الكوفيين زادوا على ما فعل عمر، فإن عمر إنما وقفها على مصالح المسلمين ولم يملّكها لأهل الصلح، وهم الذين قالوا للإمام أن يملكها لأهل الصلح.
الرابعة ذهب مالك وأبو حنيفة والثَّوْرِيّ إلى أن السلب ليس للقاتل، وأن حكمه حكم الغنيمة، إلا أن يقول الأمير: من قتل قتيلًا فله سلبه؛ فيكون حينئذ له.
وقال الليث والأوزاعِيّ والشافعيّ وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد والطبريّ وابن المنذر: السلب للقاتل على كل حال؛ قاله الإمام أو لم يقله.
إلا أن الشافعيّ رضي الله عنه قال: إنما يكون السلب للقاتل إذا قتل قتيلًا مقبلًا عليه، وأما إذا قتله مدبرًا عنه فلا.
قال أبو العباس بن سُريج من أصحاب الشافعي: ليس الحديث: «من قتل قتيلًا فله سلبه» على عمومه؛ لإجماع العلماء على أن من قتل أسيرًا أو امرأة أو شيخًا أنه ليس له سلبُ واحدٍ منهم.
وكذلك من ذفَّف على جريح، ومن قَتَل من قُطعت يداه ورجل. اهـ.
قال: وكذلك المنهزم لا يمتنع في انهزامه؛ وهو كالمكتوف.
قال: فُعلم بذلك أن الحديث إنما جعل السلب لمن لِقتلِه معنىً زائد، أو لمن في قتله فضيلةٌ، وهو القاتل في الإقبال؛ لما في ذلك من المؤنة.
وأما من أثخن فلا.
وقال الطبري: السلب للقاتل، مقبلًا قتله أو مدبرًا، هاربًا أو مبارزًا إذا كان في المعركة وهذا يردّه ما ذكره عبد الرزاق ومحمد بن بكر عن ابن جُريج قال سمعت نافعًا مولى ابن عمر يقول: لم نزل نسمع إذا التقى المسلمون والكفار فقتل رجل من المسلمين رجلًا من الكفار فإن سلبه له، إلا أن يكون في مَعْمَعةِ القتال؛ لأنه حيئنذ لا يُدْرَى من قتل قتيلا.
فظاهر هذا يردّ قول الطبري لاشتراطه في السلب القتلَ في المعركة خاصة.
وقال أبو ثور وابن المنذر: السلب للقاتل في معركة كان أو غير معركة، في الإقبال والإدبار والهروب والانتهار، على كل الوجوه، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلًا فله سلبه».
قلت: روى مسلم عن سلمة بن الأكْوَع قال: غَزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازِن فبينا نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثم انتزع طَلَقًا من حَقَبِه فقيّد به الجمل، ثم تقدّم يتغدى مع القوم وجعل ينظر، وفينا ضَعْفة ورِقّة في الظَّهر، وبعضنا مُشاةٌ؛ إذ خرج يشتدّ، فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه وقعد عليه فأثاره فاشتد به الجمل، فاتبعه رجل على ناقة وَرْقاء.
قال سلمة: وخرجت أشتدّ فكنت عند وَرِك الناقة، ثم تقدّمت حتى كنت عند ورِك الجمل، ثم تقدّمت حتى أخذت بخِطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل فَنَدَر، ثم جئت بالجمل أقوده، عليه رحله وسلاحه؛ فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال: «من قتل الرجل»؟ قالوا: ابن الأكوع.
قال: «له سلبه أجمع» فهذا سلمة قتله هاربًا غير مقبل، وأعطاه سلبه.
وفيه حجة لمالك من أن السلب لا يستحقه القاتل إلا بإذن الإمام، إذ لو كان واجبًا له بنفس القتل لما احتاج إلى تكرير هذا القول.
ومن حجته أيضًا ما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدّثنا أبو الأحوص عن الأسود بن قيس عن بشر بن علقمة قال: بارزت رجلًا يوم القادِسِية فقتلته وأخذت سلبه، فأتيت سعدًا فخطب سعد أصحابه ثم قال: هذا سلب بشر بن علقمة، فهو خير من اثني عشر ألف درهم، وإنا قد نفّلناه إياه.
فلو كان السلب للقاتل قضاءً من النبيّ صلى الله عليه وسلم ما احتاج الأمر أن يضيفوا ذلك إلى أنفسهم باجتهادهم، ولأخذه القاتل دون أمرهم.
والله أعلم.
وفي الصحيح أن معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عَفراء ضربا أبا جهل بسيفيهما حتى قتلاه، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيّكما قتله»؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته.
فنظر في السيفين فقال: «كِلاَكما قتله» وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، وهذا نص على أن السلب ليس للقاتل، إذ لو كان له لقسمه النبيّ صلى الله عليه وسلم بينهما.
وفي الصحيح أيضًا عن عوف بن مالك قال: خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة في غزوة مُؤْتة، ورافقني مَدَدِيّ من اليمن.
وساق الحديث، وفيه: فقال عوف: يا خالد، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى، ولكني استكثرته.
وأخرجه أبو بكر البَرْقاني بإسناده الذي أخرجه به مسلم، وزاد فيه بيانًا أن عوف بن مالك قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يخمّس السلب وإن مدديًا كان رفيقًا لهم في غزوة مُؤْتة في طرف من الشام، قال: فجعل رُوميّ منهم يشتدّ على المسلمين وهو على فرس أشقر وسرج مذهب ومنطقة ملطخة وسيف محلىًّ بذهب.
قال: فيُغْرِي بهم، قال: فتلطف له المددي حتى مرّ به فضرب عُرقوب فرسه فوقع، وعلاه بالسيف فقتله وأخذ سلاحه.
قال: فأعطاه خالد بن الوليد وحبس منه، قال عوف: فقلت له أعطه كلّه، أليس قد سمعت رسول الله يقول: «السلب للقاتل»! قال: بلى، ولكنيِّ استكثرته.
قال عوف: وكان بيني وبينه كلام، فقلت له: لأُخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عوف: فلما اجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عوف ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لخالد: «لِمَ لمْ تعطه»؟ قال فقال: استكثرته.
قال: «فادفعه إليه» فقلت له: ألم أنجز لك ما وعدتك؟ قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «يا خالد لا تدفعه إليه هل أنتم تاركون لي أمرائي».
فهذا يدلّ دلالة واضحة على أن السلب لا يستحقه القاتل بنفس القتل بل برأي الإمام ونظره.
وقال أحمد ابن حنبل: لا يكون السلب للقاتل إلا في المبارزة خاصة.
الخامسة اختلف العلماء في تخميس السلب؛ فقال الشافعيّ: لا يخمّس.
وقال إسحاق: إن كان السلب يسيرًا فهو للقاتل، وإن كان كثيرًا خُمّس.
وفعله عمر بن الخطاب مع البَراء بن مالك حين بارز المَرْزُبان فقتله، فكانت قيمة منطقته وسِواريه ثلاثين ألفًا فخمّس ذلك.
أنس عن البَرَاء بن مالك أنه قتل من المشركين مائة رجل إلا رجلًا مبارزة، وأنهم لما غَزَوا الزّارَة خرج دهقان الزارة فقال: رجل ورجل؛ فبرز البراء فاختلفا بسيفيهما ثم اعتنقا فتورّكه البراء فقعد على كبده، ثم أخذ السيف فذبحه، وأخذ سلاحه ومنطقته وأتى به عمر؛ فنفّله السلاح وقوّم المنطقة بثلاثين ألفًا فخمّسها، وقال: إنها مال.
وقال الأوزاعيّ ومكحول: السلب مغنم وفيه الخمس.
وُروي نحوه عن عمر بن الخطاب.
والحجة للشافعيّ ما رواه أبو داود عن عوف بن مالك الأشجعيّ وخالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في السلب للقاتل ولم يخمّس السلب.
السادسة ذهب جمهور العلماء إلى أن السلب لا يعطى للقاتل إلا أن يُقيم البيّنة على قتله.
قال أكثرهم: ويجزئ شاهد واحد؛ على حديث أبي قتادة.
وقيل: شاهدان أو شاهد ويمين.
وقال الأوزاعيّ: يُعطاه بمجرد دعواه، وليست البينة شرطًا في الاستحقاق، بل إن اتفق ذلك فهو الأولى دفعًا للمنازعة.
ألا ترى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أعطى أبا قتادة سلب مقتوله من غير شهادة ولا يمين.
ولا تكفي شهادة واحد، ولا يُناط بها حكم بمجردها.
وبه قال الليث بن سعد.
قلت: سمعت شيخنا الحافظ المنذِريّ الشافعيّ أبا محمد عبد العظيم يقول: إنما أعطاه النبيّ صلى الله عليه وسلم السلب بشهادة الأسود بن خزاعيّ وعبد الله بن أنيس.
وعلى هذا يندفع النزاع ويزول الإشكال، ويطّرد الحكم.
وأما المالكية فيخرّج على قولهم أنه لا يحتاج الإمام فيه إلى بينة؛ لأنه من الإمام ابتداءً عطيةٌ.
فإنْ شرط الشهادة كان له، وإن لم يشترط جاز أن يعطيه من غير شهادة.
السابعة واختلفوا في السلب ما هو؛ فأما السلاح وكل ما يحتاج للقتال فلا خلاف أنه من السلب، وفرسه إن قاتل عليه وصُرع عنه.
وقال أحمد في الفرس: ليس من السلب.
وكذلك إن كان في هِمْيانه وفي منطقته دنانير أو جواهر أو نحو هذا، فلا خلاف أنه ليس من السلب.